الشعر بالماضي كان سلاحاً في أيدي الشعراء يتهددون به أعداءهم ويهجون خصومهم وكان أيضاً سبيلاً إلى اكتساب المال من الممدوحين ، ولكنه كان سلاحاً ذو حدّين قد يؤدي إلى إلقاء الشاعر في هاوية الهلاك ، حين يكون المهجو من أولي البطش والفتك ، أو من ذوي السلطان القادرين على إهلاك من يتعرض لهم بهجو أو نقد ، وفيمايلي أحد الشعراء ممن قتلهم شعرهم :
هو الشاعر والأمير الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو الخليفة الأموي الحادي عشر ، كان شاعراً مجيداً أخذ منه الشعراء بعضاً من معانيه المبتكرة وتضافرت على قتله دواع شتى ؛ منها أنه كان متهماً في دينه ، وكان أيضاً متعصباً للقبائل القيسية ويهجو القبائل اليمانية ويتحداهم بشعره ، ثم تمادى فقتل أحد أشرافهم البارزين وهو الأمير خالد بن عبدالله القسري البجلي فقتلته اليمانية إنتقاماً لمقتل الأمير خالد . وكان أحد أبناء عم الوليد ، ناقماً عليه لسوء سيرته وفساد عقيدته ، فكان يحرض الناس عليه ، وأيدته القبائل اليمانية التي كانت ناقمة على الوليد لتعصبه للقيسية ، قبيلة أمه ، ولهجائه إياهم وتحدّيهم أن ينتصروا لخالد بن عبد الله القسري البجلي ، وهو أحد أمراء قبيلة بجيلة اليمانية . وكان خالد والي العراق في خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان ، ثم عزله هشام بعد وشاية من الكميت الذي كان يسعي لثورة علوية تطيح بحكم بني أميه ، ولما تولى الوليد الخلافة سجن الأمير خالد ثم أمر بقتله ، فقتله يوسف بن عمر الثقفي الذي تولى العراق بعده ، وقد قال الوليد بن يزيد قصيدة يهجو بها القبائل اليمانية ويفخر فيها بقتله خالداً ويتحدى قومه اليمانية أن يثأروا له ، ومنها قوله :
وهذا خالد فينا قتيلاً ** ألا منعوه إن كانوا رجالاً
ولو كانت بنو قحطان عُرباً ** لما ذهبت صنائعه ضلالا
ولكن المذلة ضعضعتهم ** فلم يجدوا لذلتهم مقالا
فأثارت هذه القصيدة ثائرة القبائل اليمانية وعلى رأسهم قبيلة بجيلة التي منها الأمير خالد ، وكانت من أهم دواعي إقدامهم على قتله ، وقال شاعرهم قصيدة يفخر باليمانية وقتلهم الوليد بن يزيد ؛ ومنها قوله :
سنبكي خالداً بمهندات ** ولا تذهب صنائعه ضلالا
وقال شاعر آخر أبياتاً يفخر بها بثأر اليمانية للأمير خالد القسري البجلي ومنها قوله :
تركن أمير المؤمنين بخالد ** مكباً على خيشومه غيرَ ساجد